التمازجية الانفعالية والتّداخل اللَّفظي في نص «لك الحياة يا رب

تتناغم لغة المزج الانفعالي والتداخل اللفظي عند القاص حسن علي البطران في نصه «لك الحياة يا رب» ما بين شُعوريين انفعاليين متضادين لتنبثق منهما حالة شعورية وجدانية مُتكاملة تبعث على الاستقرار المتوحد في ذاته ليخاطب القارئ بلغة فنية جديدة تُغاير ما استشعره مع بدء النص.
فتراه يتفنن في صياغة لعبة التضاد اللفظي الفعلي في نسيج عباراته الفنية لنصه المفتوح فتتباين المفردات وتتأرجح الأفعال بين لغة اليأس تارة والأمل تارة أخرى وتتناثر الألفاظ الباعثة للإحباط من تمزيق وإقفال وكسر وإدماء ويُبس والتَّرك لتقفز من بينها عبارات الأمل من بين الورود والوريقات والماء والبحر والرَّدم والزَّهْو والصفاء والفرح ليتكامل الجمال الفني في روعة المزج وفلسفة الدَّمج وأبعاد اللغة السردية من بين الحروف والكلمات والأفعال والرؤى.
ويمتد أسلوب التمازج اللُغوي عند القاص البطران من خلال النص المطروح عبر الدمج في اللغة ما بين الفصيح والعامي فيتخلل النص عبارات قريبة من اللهجة المحكية لتشكل أسلوباً حكواتياً قريباً من المفهوم العام.. «جاي فرح إليك».
وتتضح العلاقة الرمزية ذات الإيحاءات الدلالية في مُقدمة النص ونهايته إذ تتجسد فيما بين ردم البئر والإبحار في البحر فهو في البدء لا يغفل عن ردم البئر بصفاء مائه أي إغلاقه وطمسه، وفي النهاية الإبحار في البحر ،حيث الانطلاق والحرية ،وما بين البئر والبحر تظهر علاقة التمايز الشكلي والفضاء المكاني في البئر والبحر الأول الضيق والآخر السعة وكلاهما يشتركان في العمق وظلماته، وهنا يبدو التماثل الشعوري في سبر الحالة النفسية إذ تارةً يشعر القاص بالضيق وأخرى بالسّعة ويلِج العمق في الحالتين.
وللماء أو المياه في النص دلالات رمزية ذات معنى مشترك ورؤيا سيميائية محملة بدلالات الحياة والدَّيمومة والاستقرار.. «ولا يغفل عن ردم البئر بصفاء مائه».. «ولا مياه له سوى مياه هذا البحر».
وتتالى أفعال الغضب والعنف في النص على وتيرة زمنية واحدة و بصيغة الفعل المضارع والمتناسبة مع الآنية الحالية ليترجم الكاتب حالته الوجدانية إبان كتابة النص ،حيث التكسير والتمزيق والإدماء ،وهذا مما يضفي الصبغة الانفعالية على النص ويزيد من توهج القارئ.. «تكسري... تمزقي... تدمي... ترمِّمي».
وتتناسب قوة الفعل «تمزقي» بالآلة التي تمارس بها الفعل، حيث غصن الرمان ومن المعروف عنه أنه قوي البنية شديد التأثير وكأن هناك تنسيقا مسبقا تعمّده الكاتب في إيجاد مثل تلك العلاقة بين الفعل والفاعل وما بين المفعول به والفاعل ،حيث الجمال والحسن ما بين غصن الرمان والشوق الذي تمزقه الحبيبة لتتماثل الصورة الفنية في أبهى صورها وأدق فنيتها.
يضج الغموض في النص ما بين صورتين فنيتين لم أجد علاقة بينهما:
تكسري الرمح بالجدار
وتمزقي الشوق بغصن الرمان
فما علاقة الرمح بالشوق؟ ولِمَ الجِدار؟! وماذا لو استبدلت لفظة الجدار بمفردة أخرى أكثر جمالا وأدق تعبيرا؟ مثلا لو قال: وتكسري الرُّمح بالضَّياع!! الذي لفَّ عالم الكاتب لحظة غضب محبوبته عليه فأثارت أشجانه بالتكسير والتمزيق والإدماء!!.
وبين استمرارية الفعل الآني الحالي (يدمي) حيث القلب وجرحه والماضوية في (ترك) والجناس التطابقي «رطب» و «يابس» تطفو الحالةُ الواقعية للكاتب ليبحر في مياه بحر حبيبته بقاربه، حيث الشوق والورد والزهو والصفاء ليستقر بينها وفيها ،حيث لا مياه له سواها إذ لا حياة له من دونها وهنا تتكامل اللوحة الخيالية الجمالية في النص.