حج البدل.. بين التجارة والخداع وفعل الخير

"نحج بدلا عنك أو عن أقاربك وأصدقائك المتوفين برسوم رمزية" عبارة انتشرت مؤخرا عبر قصاصات إعلانية متناثرة فوق صفحات الجرائد وداخل الأسواق التجارية وفي بعض المواقع الإليكترونية، من خلال أشخاص يعرضون خدماتهم بأسلوب تسويقي عاطفي لكسب ثقة العاجزين عن أداء مناسك الحج.

ويفرض البعض رسوما كبيرة تتجاوز رسوم شركات الحج مما يوحي أن التكسب المادي والتجارة هي هدف هؤلاء وليس كسب الأجر، وفيما يقوم نصابون بهذا الدور من خلال الاتفاق مع عدد كبير من الأشخاص للحج عنهم في وقت واحد، يؤكد البعض من أصحاب تلك الإعلانات أن هدفهم كسب الأجر ولا شيء غير ذلك.

الأقدار قادت المواطن سعيد الحمدان للحج عن والدة أعز أصدقائه لعجزها الصحي فشعر بسعادة وروحانية مضاعفة ومنذ ذلك الوقت أصبح يمارس هذا العمل من باب الأجر والثواب وبمبلغ رمزي.

ويؤكد أبو إبراهيم المصري -الذي يعمل في حج البدل- أنه لا يطمح لتحقيق مكاسب مادية من وراء عمله فهو يعتبره عملا خالصا لوجه الله، لكنه يتقاضى رسوما معقولة لا تتجاوز 5 آلاف ريال مع مراعاة بعض أصحاب الحالات الإنسانية التي تنخفض معها الرسوم لتصل إلى 1500 ريال، مضيفا أن شرطه الوحيد ألا يكون على المستفيد ديون.

ويرى أن الناس في الغالب لا يثقون في الأشخاص الذين يعرضون خدماتهم في هذا المجال مرجعا ذلك لقلة الوعي لدى المجتمع تجاه هذا العمل المجاز في الشريعة وعدم وجود مظلة كجمعية أو مؤسسة تابعة لوزارة الحج تتحقق معها الطمأنينة لكل العاملين في هذا المجال.

ويشير سلمان الغامدي إلى أن حج البدل أصبح تجارة رائجة واستغلالا لظروف العاجزين من قبل البعض الذين يعرضون خدماتهم في المساجد أو عبر رسائل هاتفية قبل الموسم بعدة أشهر.

ويؤكد الغامدي انه اتصل بعدة أشخاص للحج عن أخته المتوفاة لعجزه الصحي ولم يستطع الوثوق بأحد بعد أن شعر أن الموضوع لا يخرج عن التجارة الموسمية من خلال المعلومات التي يطلبها عن الحالة المادية، مما جعله في النهاية يقدم صدقة جارية لأخته خوفا من أن لا تتحقق المصداقية من حج البدل.

أما سالم اليافعي فدفع 10 آلاف ريال لأحد الأشخاص الذين يقومون بحج البدل بعد أن نصحه به صديقه ليقوم بالحج عن والدته.

يقول سالم: اتفقت مع الرجل أن يراعي الله في أدائه ووعدني بأنه لا يبتغي من وراء ذلك سوى الثواب وأنه متخصص في أداء العمرة والحج للأموات، وفي عيد الأضحى التقيت قريبا لي فأخبرني أنه وكل شخصا بالحج نيابة عنه بعد أن تعرض لحادث سير وأعطاني كرته لربما احتاجه مستقبلا، فاكتشفت أنه نفس الشخص الذي اتفقت معه للحج عن والدتي، فشعرت أنني وقعت ضحية نصب، فلا يمكن القيام بحجتين في وقت واحد.

ما بين حج الإفراد والقران والتمتع تتفاوت أسعار حج البدل فتبلغ في حج الإفراد 3500 ريال حج بدون عمرة وتصل في حج القران إلى 4500 ريال وتصل في حج التمتع إلى 5 آلاف ريال.

يؤكد منير بازارعة - الذي يقوم مع مجموعة من طلبة وطالبات العلم بحج البدل منذ أكثر من 22 عاما – أن آلية التنسيق تتم من خلال الاتصال الهاتفي بين الطرفين لتحديد الرسوم والتأكد من عجز الراغب في حج البدل.

ويضيف أن 80 % من المتذرعين تثبت لدينا قدرتهم على أداء الفريضة، حيث تتذرع النساء بالعجز بسبب السحر أو الخوف من السقوط خلال رمي الجمرات أو بسبب الحمل ويدفعن مبالغ مالية كبيرة، أما الرجال فيتذرعون غالبا بأعراض الشيخوخة.

من جانبه يؤكد الباحث الإسلامي الدكتور عبدالله الجفن أن حج البدل هو في الأصل "الحج بالنيابة" ويجب أن تنطبق بعض الشروط على الراغب بحج البدل ومن أهمها أن يكون قد حج عن نفسه سواء امرأة أو رجل مع اشتراط وجود المحرم للمرأة ودفع نفقة للمحرم المرافق لها في الحج وضرورة أن يكونوا من الموثوق فيهم دينيا وأخلاقيا لأنهم سيقومون بأداء ركن من أركان الإسلام الخمسة عن ميت أو عاجز لقوله صلى الله عليه وسلم ( من حج فلم يفسق ولم يرفث عاد كيوم ولدته أمه)، ولا ينبغي لهؤلاء الناس أن يستغلوا حاجة الآخرين فيقوم الشخص الواحد بالاتفاق للحج عن أكثر من شخص للبحث عن الثراء السريع فهو غير جائز شرعا.

ويضيف الجفن أن المشكلة تكمن في أن بعض المعلنين عن خدماتهم لحج البدل غير موثوق فيهم ويقومون بطلب مبالغ خيالية أحيانا وأعدادهم في ازدياد.

ويقترح أن يجتمع الراغبون في هذا العمل تحت إشراف جمعيات أو مكاتب دعوية من أجل أن يكون العمل خالصا لله.